البناء اليافعي


قلم: أ/محسن ديان
البناء في يافع يكاد يكون أكثر تطورا في الجزيرة العربية من سالف العهد بل لا نبالغ إذا أجزمنا القول بأنه قد سبق غيره من حيث الهندسة المعمارية .إن كان يختلف عن المعمار الصنعاني من حيث النقوش
الجربه يافع
والزخرفة ونوعية المواد المستخدمة والبناء الحضرمي من حيث كونه من مادة اللبن ( الطين ) مقارنة بصخر الجرانيت القوي الذي تبنى منـه بيوت يافع ، وللهندسة البنائية بيافع محترفوها فهم ذووا خبرة متوارثة امتازت بجودة عالية لا تضاهي البتة وأشهر البنائين في منطقة يافع ( آل بن صلاح ) فقد تواصوا بفنهم معظم الهاوون لحرفة البناء من أبناء القرى المجاورة . وانتشـرت هندستهم في كثير من النواحي اليمنية مثل: حضرموت ، صنعاء ، عدن ، أبين ، المناطق الوسطى من الشمال الضالع ، شبوة ، ردفان ، لحج . وظهرت لهم تلامذة في معظم المناطق أتقنه صنعة البناء وهندستها المعمارية متواصلة دون تخلف عن (المدرسة الحديثة) في ذلك الشأن حاضرا ، مما جعلهم مواكبون لا متخلفون عن طفرة التحديث . ومما يؤخذ على ذلك الفن من انه ظل على نفس النمط التقليدي القديم وخاصة من حيث الارتفاع الرأسي والنقوش إلى سنين خلت . ولم يجرؤ على منافسة زخرف (الفن المعماري الصنعاني) بإدخال الفنون الإسلامية حتى على المساجد على اقل تقدير. أسباب اختفاء الزخرف صلابة الحجارة وعدم وجود الأدوات لتمثيلها سببا مهما في الإبقاء على المعتاد
الفنون الإسلامية حملها الغازون إلى اليمن منذ فجر الإسلام ولم يستطيعوا التوغل إلى مناطق يافع وقلاعها المحصنة لهذا فقد أبقت على طابعها الخاص المستوحى بيئيا ومن بعض الحرفيين اليهود قديما .
 كان يقصد إن أماكن الزخرفة والنقوش هي نقاط وهن وضعف في المبنى وبالتالي تفعل الأمطار فعلها ولا تصمد كثيرا أمام تلك العوامل مع مرور الوقت وبالذات خلخلتها من حيث الوهن .
 الحروب القبلية ودخول الأسلحة والذخيرة أدى إلى استعمالها وهدم المباني بواسطتها وتلك الأسباب أعاقت تطور الزخرفة ثم وأدها منذ بداية ظهور الأسلحة .
 وتوقف انتشارها في واجهات المباني واكتفوا بخطوط مبسطة من حجر (المرو ) على شكل نجمة ( داوود ) أو شكل ( الصليب ) وخطوط طولية اسمها ( العلسة) وشكل فوق ( السدة )المدخل الرئيسي يحتويها عقد يسمى ( الثريا) . وكما أسلفنا وأدت الزخرفة خارج المبنى واستعيض عنها بما يقابلها من داخل المبنى فحلت الأقواس الدائرية والعقود البيضاوية من التعقيد الزخرفي محلاً
نافذة مع العقود والولجة (كوة في الحائط)
 بارزاً بصدارة وواجهات ( المبارز ) والمفارش وكثرة فيها عدد (الولج) وهي عبارة عن رفوف متعددة الأحجام والاتساع لكافة اللوازم والأغراض مثل ولجة
. ( للموكف) ولجة (للغازة) آنذاك وبيت للمداعة.....الخ ..وفي الوقت الحاضر حلت محلها (الكباتات) والقمريات فوق بعض النوافذ التي حليت بالنقوش وألوان الزجاج المموج ومن مآخذ البناء اليافعي قصوره على غرفتين على الرغم من الارتفاع الراسي، واحتلال المداميك لجزء من مساحة الغرف تقليدا مستمرا حتى وقت قريب .

أسباب الارتفاع الراسي للمباني ضيق المساحة الجغرافية في المناطق اليافعية:.

عقود حديثة
ازدياد عدد وكثافة السكان ارتفاع نسبة الخصوبة تكاتف وتقارب الأسرة اليافعية في بناء واحد أثناء الحروب القبلية ..

الاشتراك بملكية الأرض كإرث متوارث بين الإخوة وبني العم .

ارتفاع نسبة دخل بعض المهاجرين وحاجته للتوسع الراسي .

نافذة مع العقود داخل المفرش (غرفة النوم)
الحاجة القصوى للسكن أدت الى الاتجاه الراسي . وأخيرا تباه وافتخار وظهورا بما حققوه من نجاح أمام الآخرين.. يدل على ذلك احد الزوامل أمام الضيوف الوافدة عندما لفت نظره الارتفاع الراسي قائلا :


يا مرحبا حيا بذي جا عندنا ..... لا حد يخايل لا تشاريف الحصون
رحنـا بنينـاها بدم اكبادنا..... .. مشي رقصنا مع ذي يرقصون 

وصف المبنى وأنواعه :

 مادة البناء:

.. حجر + طين + حجيرات التلصيص ( مياضير) والأساس لابد ما يكون فوق ارض صلبة ( حيد) وليست رخوة وسمك المداميك ( ذراعين) ومساحته ثمانية عشر ذراع (32 فوت) إلى 36 طول مع ملاحظة سحب
لنوع الثالث .. مربع ( عديل) أربع غرف مستحدث
النوع مثلث ( ثلاث غرف)(عديل طريقة قديمة كانت محدودة ثم انتشرت أخير
النوع الأول  ويمكن إدخال بناء ملاصق له وبدرجة مشتركه تسمى الطليعة (طريقه قديمة
بوصتين في كل دور إلى الداخل لتشتيت القوة الضاغطة على المداميك من أعلى وعدد أدوره من دور واحد إلى سبعة ادوار أما نوع الحجر فمن الجرانيت الصلب وحجر ( كنابي ) شديد الصلابة ذا لون رصاصي حالك السواد والمرو للزينة فقط يحتوي الدور الواحد على غرفتين ( مفرش) و(مسرى) بناء عادي وان لا يزيد على 6 غرف في البناء الحديث(عديل) مع ملاحظة إن المفرش اكبر من المسرى (العلية) أما الدرج فواسع ومرتفع وكان في السابق يختار العصي المتعددة وتفرش في أسقفها ، ومن ثم استخدمت الحجار المفروشة كأسقف وهي أكثر قوة وصلابة.
 وخصص الدور الأرضي لسكن الحيوانات ويكون عادة بدون نوافذ وكان هذا من أسباب الحروب وهي أيضا التي جعلته يبني في أعالي الجبال لكي لا يؤخذ بغتة ومن أسباب صغر حجم النوافذ البرد القارس وكان يزخرف خشب النوافذ بنقوش بسيطة وعددها في الدور الواحد من الخمس الى العشر حسب سعة المبنى وهي أشبه (بعدسة الكاميرا) متدرجة من الداخل كي يدخل الضؤ متوزعا بأرجا الغرفة .
واهم ما يجب أن يحتوي عليه (المفرش) أثناء التصميم هي (الهدة) بكسر الدال وهي عبارة عن فتحة بالجدار ترتفع عن أرضية المفرش بمتر واحد خصصت سريرا للمنام الآمن ، والهاديء ، وتحتها مباشرة غرفة صغيرة الحجم متر وربع مربوعة الحجم والشكل يقال لها ( الخلة ) من فعل يخلو وتعد بمثابة الدولاب لخزن الملابس والأشياء ذات الأهمية أما ذات القيمة فتخزن في (المخزنة) ويخصص أيضا مكان للمداعة (النارجيلة) بالجانب الأيمن للمفرش ومكانها لايخلو من بعض الزخارف لاضفاء جمالية الذوق والاحساس بالنكهة أثناء استخدام المداعة ، اما متى بدا بتخصيص ذلك المكان للمداعة فلا نعلم تاريخه لكنه يرجع على أقل تقدير إلى سنة الألف هجرية أو قبلها بعقد على أكثر تقدير . كما يوجد المرحاض بجوار الهدة وقد تطور في الآونة الأخير كثيرا وأصبح على طريقة (خمس نجوم) .
والأخشاب التي كانت تستعمل في البناء تقص من شجر(العلب ) القوي المعروف بصلابته وقوة تحمله إلى جانب انه لا ينخش مثل خشب الاثل وغيره وهو معروف بشجرة ( السدر) وتصنع منه(السدد) الرئيسية في البيوت القديمة معززة (بموسكين) أي مواسك و(معلاج) كبير من الداخل لإحكام الإغلاق ومن الخارج (الالقة ) على شكل علامة الصليب ذات النطف المتحركة أثناء الفتح والإغلاق . وفكرتها منتشرة في الوطن العربي قاطبة ومن المميزات الخاصة في البناء اليافعي وضع ( التشاريف ) عند اختتام الدور الثالث وما فوق وهي أشبه بقرون الوعل وتضع واحدة بكل ركن وتعني تشريف المبنى واختتام طرح الحجر إضافة الى جملة من الصفات الحسنة مثل ( الشرف ، الهيبة ، النشمة ، الشجاعة ) وقد كان يمنع عن بعض المرتدين استخدام التشاريف على منازلهم عقابا لهم في عرف القبيلة. وعلى كل حال فالبناء اليافـــعي قد حافظ على صفته وميزته من حيث الشكل والمضمون وان طرأت علية أخيرا آلية التحديث وإدخال الخرسانة إلا انه ثبت بما لا يدع مجال للشك من انه الأكفاء عن نمط التحديث .
 طرق وعادات البناء
البدء بطرح الحجر يوم الأحد ، أما سبب اختيار يوم الأحد فذلك يرجع إلى الاعتقاد السائد بأن الأرض قد خلقت يوم الأحد وانتهى بخلقها يوم الجمعة
بيت متوسط العمر ستة طوابق
بستة أيام ثم استوي على العرش كما أشار الله بمحكم كتابه العزيز وحينها يذبح فدية لطرد الأرواح والشياطين من الأساسات والمداميك . وجرت العادة أيضا على كامل للدور الواحد .
 ومن الاعتقادات الشائعة في السابق أنه كان يضع حبة بيض بزوايا (الساس) قبل طرح الحجر ويتم وضعها ليلا فإذا تغير لونها أو كسرت بدون سبب غيروا حفر (الساس) .
 ومما يدخل الشكوك في نفوسهم بعدم صلاحية (العرصة) وجود نملة(ذرة) سوداء فتلك يتشائمون منها أما النملة الحمراء فهم يستبشرون خيرا ويحبذون البناء فيها ويرجع السر في ذلك كون النملة تنخر في التربة وتتخلخل الساسات وخاصة السوداء المتوحشة أما الحمراء فغالبا ما تكون بيتيه لا خوف منها .
 وبالنسبة للبيض فهو لمقاس درجـة الحــرارة (التبخر) من باطن الأرض وخاصة (المسامية) أما الصلبة فلا تجرب بالبيض وحساسية البيض بالتبخر ينتج عنه تماسك (الزلال) والصفار فتخف البيضة وبالتالي يتم التأكد من إن أرضية الساس غير صالحة للبناء .
 ومما يلفت النظر أن البيوت بيافع من النادر أن يكون مدخلها (السدة) من الجهة ( الشمالية) أما لماذا فذلك ما يحيرنا ومن وجهة نظرنا (محسن ديان ) ربما تخوف الأهالي من صقعة الرياح القادمة من الشمال وما هنالك سبب أية سبب ديني خاصة فيما يتعلق باتجاه الهدة التي تكون باتجاه مدخل البيت وبأول القبلتين ( بيت المقدس شمالآ) أبدا بل الأرجح أن الرياح المشبعة ببخار الماء شمالية وهبوبها من جهة الشمال إلى جهة الجنوب محدثة ( سافيآ) من الماء أثناء هطول الأمطار في فصل الصيف . وهناك من يقول بأن جهة الشمال يتشائمون منها وخاصة عند الدخول والخروج من المنازل مبتدئين بالرجل اليمنى كما هو متبع في الآداب والسلوك الإسلامي ( ويقال حتى لا يعطي الظهر أثناء الدخول للمقدس )

بناء مربوع للحراسة ومراقبة الحقول أيام الزراعة
نوبة حراسة
وكما أسلفنا بأن طراز البناء اليافعي مميز وإضافة إلى ذلك خصص الاكوات ذات البناء المربوع وهي عبارة عن غرفة فوق أخرى للحراسة ومراقبة الحقول أيام الزراعة من سرقة او (خراب) كذلك شيد ( النَوبْ ) من كلمة نوبة وتناوب في الحراسة في كل تل ومرتفع ووادي وبشكل ملفت للنظر حيث تعددت وتميزت بشكلها الدائري دون النوافذ واكتفى بإكليل حربية لفوهات البنادق أثناء الصراعات القبلية أما لماذا حبذت دائرية فلربما كونها استطلاعية يسهـل استكشاف كل شيء من خلالها ولا يمكن لشيء ان يتوارى خلفها وهذه ميزة تدل على حنكة ودراية حربية ، وأدوارها من ثلاثة وفوق وقد تصل إلى الخمسة ادوار أما الطلوع إليها فيتم عبر سلالم من الحجر اللصيقة والموصلة إلى الفوهة من غرفة إلى أعلاها وهي بطبيعة الحال ليست ميسرة الطلوع دون إمساك . ومما يلفت النظر في البناء القديم التقارب الشديد في المباني حتى انه ببعض القرى ترى البيوت متلاحمة بجدار وحيط مشترك وترجع أسباب هذا التقارب إلى الألفة الموجودة بين الناس وبنفس الوقت الخوف من الصراعات القبلية .
 مقال نشر في جريدة الاتحاد الإماراتية في تاريخ 25/5/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق